بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا لا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علَّمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقًّاً و ارزقنا اتِّباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القولَ فيتَّبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. الدعوة إلى الله فرضُ عين على كل مسلم : أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الخامس و العشرين من دروس: "آيات الأحكام"، و الآية اليوم من سورة التوبة، و هي قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة التوبة: 6] أول حقيقة هو أنه من مات و لم يحدِّث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من نفاق، و أعلى أنواع الجهاد: الجهاد الدعوي، وهذا متاح لكل مسلم في كل بلاد المسلمين، أعلى جهاد الجهاد الجهاد الدعوي، و هذا متاح لكل مسلم، و لا شكَّ أنكم تعلمون علم اليقين أن الدعوة إلى الله فرضُ عين، قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [ سورة يوسف: 108 ] و لا شك أنكم تعلمون علم اليقين أن التواصي بالحق أحد أركان النجاة قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [ سورة العصر: 1-3]
خطورة الدعوة أنها ينبغي ألا تتَّجه لمن هو متمسِّك بالإسلام بل للطرف الآخر : الحقيقة الثانية؛ هؤلاء الأخوة المؤمنون في المساجد، هؤلاء طرف واحد، كلنا طرف واحد، بطولتنا أن تدخل من الطرف الآخر إلى حيِّز المؤمنين عناصر جديدة، لا أنسى مرة كنا في أحد المساجد في احتفال بعيد المولد، و قام أحد الخطباء و ألقى كلمة قيِّمة، ثم قام خطيب آخر وعقَّب على الأول فقال: كلُّنا طرف واحد، المهم الطرف الآخر، هؤلاء عباد لله شردوا أو غابت عنهم الحقائق، أو وصلهم الإسلامُ مشوَّها، مهمة المسلم أن يوضِّح الحقيقة، و أن يجليَ الأمر، و أن يصحِّح الغلط، فلذلك خطورة الدعوة أنها ينبغي ألا تتَّجه لمن هو متمسِّك بالإسلام، ينبغي أن تتَّجه للطرف الآخر، هؤلاء عباد لله، و الله عز وجل حريص على هدايتهم، فإذا خاطبتهم بالعقل وكنت صادقاً، وواضحاً، و معك الحجَّة القوية، ينضمون إليك، و تتوسع دائرة المسلمين، جاء إنسان من أمريكا عند الحج و حجَّ بيت الله الحرام، و في أيام منى ألقى محاضرة وصلني بعضُ فقراتها محاضرة رائعة، قال: نحن أقوى قوة في العالم، لكننا بشر، فإذا أقنعتمونا بإسلامكم كنا بجانبكم، و كانت قوتُنا لكم، هذا الطرف الآخر إنسان له عقل، و عنده عاطفة، و عنده فطرة، و عنده متطلَّبات، و عنده أساسيات، و عنده حاجات أساسية، فإذا وُفِّق المسلمُ لمخاطبته بمنطق سليم، و حجة قوية، و بدليل ناصع، و كان مخلصاً و كان موفَّقاً في عمله، هذا الإنسان أصبح مؤمناً، و أصبح منضمًّاً إلى صفوف المؤمنين. الجهاد الدعوي أفضل أنواع الجهاد وهو متاح لكل المسلمين : لذلك درسنا اليوم هذه الآية، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ ﴾ [سورة التوبة: 6] الآن كيف يستجيرك؟ يطلب العلم، يريد أن يفهم عن الإسلام شيئاً، و يريد أن يفهم عن هذا الكتاب شيئاً، فكل إنسان يتجفجف و يتقلًّص و ينكمش، لا يحتمل أن يجلس مع إنسان شارد، مع إنسان من الطرف الآخر، هذا ليس فقيهاً في الدين، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ ﴾ [سورة التوبة: 6] هناك نقطة دقيقة جداً، لمكانة الدين الإسلامي من مكارم الأخلاق، و للإشارة إلى أنه ليس الغرضُ من فرض الجهاد سفكُ الدماء، إنما المهمُّ أن تأخذ بيد هؤلاء إلى الإيمان، هذا هو المطلوب، لذلك الجهاد الدعوي أفضل أنواع الجهاد وهو متاح لكل المسلمين، من يمنعك أن تفهم كلام الله؟ من يمنعك أن تحدَّث أخًا صديقاً زائراً زميلاً جاراً عن هذه الآية؟ من يمنعك أن تتخلَّق بأخلاق الإسلام؟ من يمنعك أن تكون مخلصاً للآخرين؟ شيء بيدك، فهذه الآية على خلاف ما يفهمها معظمُ الناس أن هذا مشرك، هذا إنسان، انتماؤه لإنسانيته أقوى من أيِّ انتماء، فأنت إذا أيقظت عقله و تلطفت معه و كنت ليِّناً معه جمعت الحسنيين، يقول الله عز وجل: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [سورة المائدة: 8]من هم الطرف الآخر بالنسبة للمؤمنين؟ الكفار، المؤمن من الذي يبغض؟ الكافر على الرغم من هذا الشنآن - البغضاء - ينبغي ألا يحملكم بغضُكم للطرف الآخر ألا تكونوا عادلين معهم، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [سورة المائدة: 8] إذا كنت مكلَّفاً أن تكون منصفاً مع مسلم، فأنت مكلَّف أن تكون منصفاً مع غير المسلم ألفَ مرة، لأنك إذا أخطأت مع مسلم عزا الخطأ إليك، أما إذا أخطأت مع كافر فيعزو الخطأ إلى دينك، لذلك أنت على ثغرة من ثُغر الإسلام فلا يُؤتين من قِبَلك. ورد أنه جاء رجل إلى سيدنا عليٍّ كرم الله وجهه، هذا الرجل من المشركين فأتى محمداً صلى الله عليه و سلم بعد انقضاء الأجل لسماع كلام الله، فسيدنا علي سأل النبيَ عليه الصلاة و السلام ماذا نفعل؟ قال: اقرأ قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [سورة التوبة: 6]ما يستنبط من الآية السابقة : يُستنبط من هذه الآية أمور: أولاً: قد يكون هذا المستجير طالباً لسماع القرآن، هناك مسلمون لا يحبِّون أن تعطي مصحفاً لغير المسلمين، لعل هذا المستجير يطلب سماع القرآن، أو يطلب سماعَ أدلة على أحقِّية الإسلام، إما أن يطلب سماعَ القرآن، أو أن يطلب سماعَ أدلة على أحقية الإسلام، و أنا سمعت من شخص أثق بإيمانه أن عشرين ألف بريطاني أعلنوا إسلامهم بسبب قراءة كتاب سلمان رشدي، طبعاً لا لأنهم قرؤوا الكتاب، بسبب هذا الكتاب، لأنهم وجدوا في الكتاب تزويراً لا يُحتمَل، لا يُعقل أن يكون نبيُّ المسلمين بهذا المستوى، فبحثوا عن مصادر صحيحة لهذا الدين فلما قرؤوا أسلموا، و ذكرت لكم كثيراً أن الإنسان أحياناً بمناسبات عديدة يكون عقله منفتحاً، معه منطق، و معه حجة، و معه دليل، أخلاقه دمثة، هذا عنصر جذب، و مرة ثانية و ثالثة نحن جميعاً طرف واحد، بطولتنا أن نقنع الطرف الآخر، بلغني أن طالباً جامعياً متمسِّكاً بدينه، له أبٌ يؤمن بأنه لا إله- أي ملحد - والده أستاذ جامعي، و له زملاء على شاكلته، ففي مناسبة عيد المولد أقام هذا الابنُ حفلاً في البيت، و توسَّل إلى أبيه أن يحضر هذا الحفل هو و زملاؤه، الابن برجاءٍ حارٍّ و الأبُ استجاب لابنه و دعا زملاءه، و هذا الابن دعا عدداً من علماء دمشق الكبار، و كلَّفهم بإلقاء بعض الكلمات عن أحقِّية هذا الدين، و عن أحقية هذا القرآن، و الذي حصل أن عدداً من هؤلاء استجاب و انضمَّ إلى صف المؤمنين، طبعاً دعوة ذكية جدا، و لي قريب جاءه مولودٌ، و اقترحتُ عليه أن يقيم حفلاً، بدل أن يأتي هؤلاء ليهنِّئوه، و يقدموا الهدايا و أحاديث في شؤون تافهة، اقترحت عليه أن يقيم حفلاً بمناسبة عيد المولد، و أن يدعو من يثق بعلمه، و يلقي كلمة أقسم لي بالله، و أنا ألقيت هذه الكلمة أنه في الأسبوع القادم ثلاثة من الحاضرين جاؤوا من أقصى مكان في دمشق لحضور خطبة الجمعة في النابلسي..
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire